الحاضر الثقافي فى مصر

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام وبرسولنا الكريم الحبيب المصطفى رضي الله عنه وأرضاه .. من واقع ما تناولناه في العدد السابق عن واقع مصر الآن وكذلك المأمول مستقبلا ، فإننا سنتحول لوضع جميع المشكلات على الساحة تباعا تحت المجهر . وسنحاول كذلك تحليلها تحليلا عميقا وايجاد كافة الحلول المتاحة ودراسة ايها اكثر نفعا متمنين من السادة المسؤلين الآلتفات عن ممارسة الروتين إلى دراسة الحلول المطرحة على منضدة الحوار

تأخذنا جولة هذا العدد لنظرة أعمق لآفاق الحاضر الاجتماعي لمصر . تمتلك مصر تاريخ مدنية راقي كما ذكرنا انفا وهو ماترك ارثا عتيدا و المتمثل فيما يجده المصري المغترب عندما يعلن هويته بأنه من ابناء النيل . واقعيا مصر تحظى باحترام دولي و عالمي كبير لكنه للأسف على تاريخ قد مضى و حضارة قد زالت بايدي صانعيها و ليس على حاضر مشرق او مستقبل منير . وحيث ان عدد المصرين تجاوز السادسة والسابعون مليونا و نصف المليون نسمة حسب ما اوردته احصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء قبيل اربع سنوات  لتحتل به مركز متقدم في اعلى نسب الكثافات السكانية و برغم من ذلك فإن من يمثلنا في المحافل الدولية و ميادين العلوم عدد قليل جدا . ربما يكون التمثيل مشرفا لكنه في حد ذاته قليل جدا مقارنة بعددنا و حضارتنا التليدة .

الحقيقة ان هذا الواقع ليس من قبيل الغموض بل هو الصورة الأوضح للبناء الاجتماعي المعتل لنا . فنحن نعاني من عدة مايمكن تسميته بالأمراض الاجتماعية و التي بات من الاسف صعبة الحصر . ولما كان اعداد خطة بعيدة المدى ثاني خطوات العمل لاعادة بناء مجتمعنا ، فإن من اولى تلك الخطوات هي تحديد المشاكل او بؤر الازمة . وهو ماسيتم طرحه تباعا .

المنطق العام .. فالناس على آختلاف طباعها وأنماط حياتها لابد وأن يجمعها منطق وسياسة معاملة واحدة بغية وصول النقاش المعتاد بين الأفراد وبعضها لحل يرضي الجميع . الأساس انه لا ضرر ولا ضرار كما أشار ديننا الحنيف ولكن يا ترى إلا اي مدى يمكن تطبيق هذا الشرط في ظل حالة التخبط السائدة في الشارع المصري او حتى في البيت المصري بين أبناء الرحم الواحد . الواضح انه لا يوجد سياسة موحدة بين الأفراد ، الكل يتعامل كما يتثنى له ولذويه . وهو ما خلق دويليات وطوائف داخل المجتمع الواحد . ولذا يحتدم الصراع اليومي بين الآفراد لللانهاية ويرفع الجميل شعار “احنا نروح القسم” ، فينتقل مفتاح الحكم في تلك المعضلة من الآفراد المتخاصمين إلى ضابط الشرطة . بالطبع سيتحول الضابط الى مواد الدستور لإصدار حكمه. هنا يمكن القول ان الأزمة انفرجت . ولكن يا ترى كم من ضباط الشرطة نحتاج يوميا لحل أزماتنا؟ .. ألا يمكنا حل مشكلاتنا بأنفسنا ؟ ولما المشكلة ؟  فالحلال بيّن والحرام بيّن .

 لقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالفاروق حيث فرق بين الحق والباطل . انتابني كثير من الدهشة عندما سمعت هذا . ايحتاج التفريق بين الحق والباطل لعبقرية فاذة لدرجة يصل عندها المرء لأن يلقب بلقب كهذا ؟! دفعني هذا السؤال الى مراقبة المشاكل والنزاعات بين الناس ، وبعد دراسة تحليلية عميقة لكافة الجوانب امكنني استنباط مبدأ هام وجدت عنده اجابة لسؤالي ؛ لكل منا عقيدته الفكرية الخاصة به والتي هي منهجه في حياته وتشمل نظرته للحياة وكذلك حكمه على الآشخاص وتشخيصه للآحداث …..إلخ . بالرغم من ذلك ، فإن ثمة منطق عام يفرض نفسه في التعامل بين تلك الفيض الهائل من الثقافات المنسابة من تعدد الآعراق والآديان وفئات المجتمع وكذلك الفئات العمرية المختلفة ؛ فمثلا لا يجوز للفرد أن يسب الآخر مهما تكن فلسفته . وبالقياس ، تنتفي صفة الجواز عن كثير من الأفعال المشابهة كالتعدي على ممتلكات الغير وما إلى ذلك من أفعال . وفي الواقع هو ليس مستقل بل هو ربط بين منطقنا جميعا و تنسدل فروضه من الإسلام . ولن يتثنى لنا ذكر الا القليل من فروض هذا المنطق : في حالة حدوث أي مشكلة يكون هناك طرفي النزاع وهما المتضرر وفاعل المشكلة .يكون على المتسبب في احداث مشكلة التكفل بكامل عواقب ما فعل ويبقى للمتضرر اختيياريا التنازل عن بعض او كل حقوقه  . بمعنى انه لا يجوز لأي جهة الزام المتضرر على التنازل عن حقه . وفي المقابل يكون حق المتضرر هو تعويضه عن ما كان سيناله في حالة عدم حدوث المشكلة . ويبقى دائما هناك تقصير في آداء هذا التعويض اذ ان هناك اشياء لا يمكن تعويضها كالوقت مثلا . فلا يمكن جعل عقارب الساعة تدور للوراء . وكذلك السلامة البدنية وماشابه . عند رؤية شخص يقوم بفعل مضر لنفسه ، حينئذ يُخول لك فقط التقدم له بالنصيحة فقط ولا يحق لك الزامه بالعدول عما يفعل طالما انك لست متضررا من ذلك الفعل نهائيا . ولذلك كان انبياء الله ينصحون قومهم بالهدى ، وحينما يصرون على الكفر ، يرحل انبياء الله خشية التضرر من اللعنة التي سيصيبها الله لهم . ولم نلاحظ لأي منهم استخدام العنف .

لا اعتقد انني سأثير دهشتكم بالقول بأن ذلك المنطق العام مفقود بيننا ؛ لأنه لو كان موجودا لساد الوفاق بين الأفراد . لذا فإننا نحتاج لآرثاء ذلك المنطق على عامة الأفراد وهو الأمر الذي يفوق في تعقيده حدود تخيل الكثير منا . لأن فلسفة كل شخص في اتخاذ قراراته تترسخ في افكاره بمرور الزمن والآحداث ومن هنا فان محاولة التفكير في تغير عقول الأفراد هي مجرد محاولة بائسة . وعلى هذا فاننا نحتاج لإيجاد حلقة من حلقات الإنسان العمرية التي يمكننا عندئذ التدخل وترسيخ ذلك المنطق . وقد وجد ان المراحل الآولى في حياة الإنسان هي المراحل الفعالة ؛ حيث ان الطفل يولد من رحم أمه لا يملك فكرا ولا سياسة او حتى فلسفة للتعامل مما يسهل من مهمتنا كثيرا . فيبقى على عاتق الجيل الحالي من الاباء و المدرسة دور هام و فعال في ترسيخ ذلك !!..

أضف تعليق