اصبح الاعلام بكل انواعه المسموع و المقروء و المرئي حديثا بعد ان غزت وسائل التكنولوجيا الحديثة ارض المعمورة بكافة طوائف شعبها يمثل واحدا من احرج الكيانات على الاطلاق لما له من نافذة مباشرة تطل لداخل كل منزل ، كذلك اصبحت مواضيعه مسار الاهتمام العام على شبكات التواصل الاجتماعي الاوسع انتشارا في العالم وربما يرجئ البعض سبب اهميته لكونه كيان استمد مصداقية قوية لدى متتبعيه من صفاته و اسلوبه ؛ فلو اراد شخص ما متابعة ما يُقدم على شاشة التلفاز او يستمع للمذياع او ما الى ذلك فما عليه الا ان يتقدم لاحدى متاجر بيع الاجهزة الالكترونية و يتكلف ثمن شراء الجهاز المناسب و يعاود المسير الى دياره ، عندئذ تتبقى عليه خطوة وحيدة للتواصل على ما يحدث في العاصمة و ما يشغل الرأي العام . فالعاملون في المجال الاعلامي يدركون جيدا ان المادة المُقدمة تنطلق عبر وسائل الاستقبال في القناة الى مسامع العالم اجمع دون حجر على مسارها مما اكسبها مصداقية غير متناهية لدى المسمتعين . و الواقع ان التحدث في الملئ على غير مبالاة بمن سيستمع للحديث يكسب المتحدث ثقة المستقبلين و يوحي كذلك بجرأته فهو مستعد لمجابهة اي متشكك في حديثه .. هكذا اكتسب الاعلام وضعه .
“اعلام موجه بلا مصداقية” .. هكذا كان الاعلام المصري طيلة الثلاث عقود السوداء المنصرمة من تاريخنا المعاصر كان اعلاما موجه لاغراض السيادة و مد النفوذ ، و فقد مصداقيته ووضعه المرموق عندما استولى على مقاليده فئتين من الاعلامين ، الاولى هم اتباع القصر الجمهوري من الذين استغلوا منصبهم في تحويل دفة الاعلام للتصفيق للنظام و مؤيديه و الآخرى هي تلك الفئة من الحمقى التابعين الذين ازهتهم الكاميرات و الديكورات عن ان العمل الاعلامي رسالة صدق للجمهور تحمل ثقافة و تمدين لا سفه و وعرى .
و ربما المتتبع للاعلام المصري خلال سنواته الاخيرة يرى ذلك بوضوح . فهذا الجهاز العقيم يتزين في ثوب الدراما العقيمة اول كل رمضان منفقا ما يقارب العشرة ملايين دولار مقدما اعمالا مبتذلة ، مع الاشارة ان الشهر الكريم يقتدي التقرب الى الله و ليست التفرغ لمشاهدة اعمال درامية. ايضا هذا الجهاز افتقد الى خطة التطور المطلوبة مما جعله يفقد متتبعيه تدريجيا و يتقهقر مركزه في المنافسة على استحواذ على مشاهدة الشعب العربي بوجه عام و المصري على وجه الخصوص. الحقيقة انه ليس الجهاز الاعلامي فقط هو من تعرض للتوجيه و فقد مكاناته و دوره بل كانت البلاد تٌنهب على جميع النطاقات ، و الواقع ان هيئة التعليمية و المؤسسة القائمة على النشاطات الاقتصادية و الصناعية عانت هي الآخرى من النظام.
ثمة بلاد قليلة -هي تلك التي تُصف بالمتقدمة- تُقدر الكيانات المختلفة التي تخدم الجمع من الشعب كالتعليم و الاعلام و الاقتصاد، فالمؤسسة الاعلامية تمتلك وسيلة نقل مباشرة من رموز المجتمع و القائمين على الخدمة العامة لكل مواطن في البلاد بشكل مباشر ، اقلاء هم من يقدرون تلك الخاصية ؛فتنقل الخبر و المعلومة من ملقن الى مستقبل بشكل غير مباشر – اي عبر وسطاء – يتناسب كماله و صحته عكسيا مع عدد الوسطاء، كذلك يختص بصفة المصداقية على نحو اكبر من غيره لما ذكرنا انفا. و ربما ان ارادنا استغلال اعلامنا بشكل جيد لاعادة بناء البلاد يتحتم علينا مبدئيا اعادة هيبته و ثقله من جديد الذي فقده خلال العقد الماضي و خصوصا ثورة التحرير و التي كشفت عن ممارسات مبني ماسبيرو من تضليل و كذب على الجموع . و على جميع القيادات القديمة ترك مناصبها فورا و الخروج من الباب الخلفي للجهاز حتى ولو جددوا دعمهم للثورة و الثوار ، فليتركوا مقاعدهم لمن لم يرهبهم قمع السلطة و لا المعتقلات عن الاعتراض على ما يتنافى مع ادمية المواطنين و حرية البلاد .